فصل: فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ الْعِشْقِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.جِمَاعُ الثّيّبِ:

وَغَلِطَ مَنْ قَالَ مِنْ الْأَطِبّاءِ إنّ جِمَاعَ الثّيّبِ أَنْفَعُ مِنْ جِمَاعِ الْبِكْرِ وَأَحْفَظُ لِلصّحّةِ وَهَذَا مِنْ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ حَتّى رُبّمَا حَذّرَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عُقَلَاءُ النّاسِ وَلِمَا اتّفَقَتْ عَلَيْهِ الطّبِيعَةُ وَالشّرِيعَةُ.

.أَسْبَابُ التّرْغِيبِ بِالْبِكْرِ:

وَفِي جِمَاعِ الْبِكْرِ مِنْ الْخَاصّيّةِ وَكَمَالِ التّعَلّقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُجَامِعِهَا وَامْتِلَاءِ قَلْبِهَا مِنْ مَحَبّتِهِ وَعَدَمِ تَقْسِيمِ هَوَاهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مَا لَيْسَ لِلثّيّبِ. وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِجَابِرٍ «هَلّا تَزَوّجْتَ بِكْرًا» وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ كَمَالِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ أَنّهُنّ لَمْ يَطْمِثْهُنّ أَحَدٌ قَبْلَ مَنْ جُعِلْنَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِشَجَرَةٍ قَدْ أُرْتِعَ فِيهَا وَشَجَرَةٍ لَمْ يُرْتَعْ فِيهَا فَفِي أَيّهِمَا كُنْت تُرْتِعُ بَعِيرَك؟ قَالَ «فِي الّتِي لَمْ يُرْتَعْ فِيهَا» وَجِمَاعُ الْمَرْأَةِ الْمَحْبُوبَةِ فِي النّفْسِ يَقِلّ إضْعَافُهُ لِلْبَدَنِ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِفْرَاغِهِ لِلْمَنِيّ وَجِمَاعُ الْبَغِيضَةِ يُحِلّ الْبَدَنَ وَيُوهِنُ الْقُوَى مَعَ قِلّةِ اسْتِفْرَاغِهِ وَجِمَاعُ الْحَائِضِ حَرَامٌ طَبْعًا وَشَرْعًا فَإِنّهُ مُضِرّ جِدّا وَالْأَطِبّاءُ قَاطِبَةً تُحَذّرُ مِنْهُ.

.أَحْسَنُ أَشْكَالِهِ:

وَأَحْسَنُ أَشْكَالِ الْجِمَاعِ أَنْ يَعْلُوَ الرّجُلُ الْمَرْأَةَ مُسْتَفْرِشًا لَهَا بَعْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْقُبْلَةِ وَبِهَذَا سُمّيَتْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَهَذَا مِنْ تَمَامِ قَوّامِيّةِ الرّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَاءِ} [النّسَاءِ 34] وَكَمَا قِيلَ:
إذَا رُمْتُهَا كَانَتْ فِرَاشًا يُقِلّنِي ** وَعِنْدَ فَرَاغِي خَادِمٌ يَتَمَلّقُ

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {هُنّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ} [الْبَقَرَةِ 187] وَأَكْمَلُ اللّبَاسِ وَأَسْبَغُهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَإِنّ فِرَاشَ الرّجُلِ لِبَاسٌ لَهُ وَكَذَلِكَ لِحَافُ الْمَرْأَةِ لِبَاسٌ لَهَا فَهَذَا الشّكْلُ الْفَاضِلُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَبِهِ يَحْسُنُ مَوْقِعُ اسْتِعَارَةِ اللّبَاسِ مِنْ كُلّ مِنْ الزّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّهَا تَنْعَطِفُ عَلَيْهِ أَحْيَانًا فَتَكُونُ عَلَيْهِ كَاللّبَاسِ قَالَ الشّاعِرُ:
إذَا مَا الضّجِيعُ ثَنَى جِيدَهَا ** تَثَنّتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسًا

.أَرْدَأُ أَشْكَالِهِ:

وَأَرْدَأُ أَشْكَالِهِ أَنْ تَعْلُوَهُ الْمَرْأَةُ وَيُجَامِعَهَا عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ خِلَافُ الشّكْلِ الطّبِيعِيّ الّذِي طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهِ الرّجُلَ وَالْمَرْأَةَ بَلْ نَوْعَ الذّكَرِ وَالْأُنْثَى وَفِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ أَنّ الْمَنِيّ يَتَعَسّرُ خُرُوجُهُ كُلّهُ فَرُبّمَا بَقِيَ فِي الْعُضْوِ مِنْهُ فَيَتَعَفّنُ وَيَفْسُدُ فَيَضُرّ وَأَيْضًا: فَرُبّمَا سَالَ إلَى الذّكَرِ رُطُوبَاتٌ مِنْ الْفَرْجِ وَأَيْضًا فَإِنّ الرّحِمَ لَا كَانَتْ فَاعِلَةً خَالَفَتْ مُقْتَضَى الطّبْعِ وَالشّرْعِ. وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ إنّمَا يَأْتُونَ النّسَاءَ عَلَى جُنُوبِهِنّ عَلَى حَرْفٍ وَيَقُولُونَ هُوَ أَيْسَرُ لِلْمَرْأَةِ. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ تَشْرَحُ النّسَاءَ عَلَى أَقْفَائِهِنّ فَعَابَتْ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ} [الْبَقَرَةِ 223]. وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ إذَا أَتَى الرّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ} وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ إنْ شَاءَ مُجَبّيَةً وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبّيَةٍ غَيْرَ أَنّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ وَالْمُجَبّيَةُ الْمُنْكَبّةُ عَلَى وَجْهِهَا وَالصّمَامُ الْوَاحِدُ الْفَرْجُ وَهُوَ مَوْضِعُ الْحَرْثِ وَالْوَلَدِ.

.تَحْرِيمُ الدّبُرِ:

وَأَمّا الدّبُرُ فَلَمْ يُبَحْ قَطّ عَلَى لِسَانِ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَمَنْ نَسَبَ إلَى بَعْضِ السّلَفِ إبَاحَةَ وَطْءِ الزّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا». ولِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ: «لَا يَنْظُرُ اللّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا» وَفِي لَفْظٍ لِلتّرْمِذِيّ وَأَحْمَدَ «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ» صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيّ «مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ فِي الْأَدْبَارِ فَقَدْ كَفَرَ» وَفِي مُصَنّفِ وَكِيعٍ: حَدّثَنِي زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَق لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ» وَقَالَ مرّة: «فِي أَدْبَارِهِنّ». وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ عَلِيّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ فَإِنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقّ» وَفِي الْكَامِلِ لِابْنِ عَدِيّ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ الْمَحَامِلِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيّ قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَفِيعٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ «لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ» وَرُوِينَا فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيّ الْجَوْهَرِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَتَى الرّجَالَ أَوْ النّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنّ فَقَدْ كَفَرَ» وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيّاشٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ «اسْتَحْيُوا مِنْ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنّ» وَرَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ مِنْ هَذِهِ الطّرِيقِ وَلَفْظُهُ «إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ لَا يَحِلّ مَأْتَاكَ النّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنّ» وَقَالَ الْبَغَوِيّ: حَدّثَنَا هُدْبَةُ حَدّثَنَا هَمّامٌ قَالَ سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ الّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا؟ فَقَالَ حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ «تِلْكَ اللّوطِيّةُ الصّغْرَى» وَقَالَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ قَالَ حَدّثَنَا هَمّامٌ أَخْبَرَنَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ فَذَكَرَهُ. وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا: عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} فِي أُنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ «ائْتِهَا عَلَى كُلّ حَالٍ إذَا كَانَ فِي الْفَرْجِ» وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا: عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكْت فَقَالَ وَمَا الّذِي أَهْلَكَكَ؟ قَالَ حَوّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ قَالَ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَوْحَى اللّهُ إلَى رَسُولِهِ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ} «أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتّقِ الْحَيْضَةَ وَالدّبُرَ» وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَنْظُرُ اللّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي الدّبُرِ» وَرُوِينَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَلِيّ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ دُومَا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ يَرْفَعُهُ «كَفَرَ بِاَللّهِ الْعَظِيمِ عَشَرَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمّةِ: الْقَاتِلُ وَالسّاحِرُ وَالدّيّوثُ وَنَاكِحُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا وَمَانِعُ الزّكَاةِ وَمَنْ وَجَدَ سَعَةً فَمَاتَ وَلَمْ يَحُجّ وَشَارِبُ الْخَمْرِ وَالسّاعِي فِي الْفِتَنِ وَبَائِعُ السّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَنْ نَكَحَ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ» وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ «مَلْعُونٌ مَنْ يَأْتِي النّسَاءَ فِي مَحَاشّهِنّ» يَعْنِي: أَدْبَارَهُنّ، وفي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبّاسٍ قَالَا: خَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَهِيَ آخِرُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْمَدِينَةِ حَتّى لَحِقَ بِاَللّهِ عَزّ وَجَلّ وَعَظَنَا فِيهَا وَقَالَ: «مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ رَجُلًا أَوْ صَبِيّا حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرِيحُهُ أَنْتَنُ مِنْ الْجِيفَةِ يَتَأَذّى بِهِ النّاسُ حَتّى يَدْخُلَ النّارَ وَأَحْبَطَ اللّهُ أَجْرَهُ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَيُدْخَلُ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ وَيُشَدّ عَلَيْهِ مَسَامِيرُ مِنْ نَارٍ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا لِمَنْ لَمْ يَتُبْ. وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيّ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يَرْفَعُهُ إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقّ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ وَقَالَ الشّافِعِيّ: أَخْبَرَنِي عَمّي مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ شَافِعٍ. قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَلِيّ بْنِ السّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَنّ رَجُلًا سَأَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ إتْيَانِ النّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنّ فَقَالَ حَلَالٌ فَلَمّا وَلّى دَعَاهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْت فِي أَيّ الْخَرِبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيّ الْخَرَزَتَيْنِ أَوْ فِي أَيّ الْخَصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا؟ فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنّ قَالَ الرّبِيعُ فَقِيلَ لِلشّافِعِيّ فَمَا تَقُولُ؟ فَقَالَ عَمّي ثِقَةٌ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَلِيّ ثِقَةٌ وَقَدْ أَثْنَى عَلَى الْأَنْصَارِيّ خَيْرًا يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْجِلَاحِ وَخُزَيْمَةُ أَنْهَى عَنْهُ. قُلْت: وَمِنْ هَاهُنَا نَشَأَ الْغَلَطُ عَلَى مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْإِبَاحَةُ مِنْ السّلَفِ وَالْأَئِمّةِ فَإِنّهُمْ أَبَاحُوا أَنْ يَكُونَ الدّبُرُ طَرِيقًا إلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فَيَطَأُ مِنْ الدّبُرِ لَا فِي الدّبُرِ فَاشْتَبَهَ عَلَى السّامِعِ مِنْ بفِي وَلَمْ يَظُنّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فَهَذَا الّذِي أَبَاحَهُ السّلَفُ وَالْأَئِمّةُ فَغَلِطَ عَلَيْهِمْ الْغَالِطُ أَقْبَحَ الْغَلَطِ وَأَفْحَشَهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} قَالَ مُجَاهِدٌ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} فَقَالَ تَأْتِيهَا مِنْ حَيْثُ أُمِرْت أَنْ تَعْتَزِلَهَا يَعْنِي فِي الْحَيْضِ. وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ يَقُولُ فِي الْفَرْجِ وَلَا تَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ. وَقَدْ دَلّتْ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي دُبُرِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنّهُ أَبَاحَ إتْيَانَهَا فِي الْحَرْثِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَلَدِ لَا فِي الْحُشّ الّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْأَذَى وَمَوْضِعُ الْحَرْثِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللّهُ الْآيَةَ قَالَ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ} وَإِتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ الْآيَةِ أَيْضًا لِأَنّهُ قَالَ أَنّى شِئْتُمْ أَيْ مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ مِنْ أَمَامٍ أَوْ مِنْ خَلْفٍ. قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} يَعْنِي: الْفَرْج.

.مَفَاسِدُ إتْيَانِ الدّبُرِ:

وَاذَا كَانَ اللّهُ حَرّمَ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ لِأَجْلِ الْأَذَى الْعَارِضِ فَمَا الظّنّ بِالْحُشّ الّذِي هُوَ مَحَلّ الْأَذَى اللّازِمِ مَعَ زِيَادَةِ الْمَفْسَدَةِ بِالتّعَرّضِ لِانْقِطَاعِ النّسْلِ وَالذّرِيعَةِ الْقَرِيبَةِ جِدّا مِنْ أَدْبَارِ النّسَاءِ إلَى أَدْبَارِ الصّبْيَانِ. وَأَيْضًا: فَلِلْمَرْأَةِ حَقّ عَلَى الزّوْجِ فِي الْوَطْءِ وَوَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا يُفَوّتُ حَقّهَا وَلَا يَقْضِي وَطَرَهَا وَلَا يُحَصّلُ مَقْصُودَهَا. وَأَيْضًا: فَإِنّ الدّبُرَ لَمْ يَتَهَيّأْ لِهَذَا الْعَمَلِ وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ وَإِنّمَا الّذِي هُيّئَ لَهُ الْفَرْجُ فَالْعَادِلُونَ عَنْهُ إلَى الدّبُرِ خَارِجُونَ عَنْ حِكْمَةِ اللّهِ وَشَرْعِهِ جَمِيعًا. مُضِرّ بِالرّجُلِ وَلِهَذَا يَنْهَى عَنْهُ عُقَلَاءُ الْأَطِبّاءِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنّ لِلْفَرْجِ خَاصّيّةً فِي اجْتِذَابِ الْمَاءِ الْمُحْتَقَنِ وَرَاحَةُ الرّجُلِ مِنْهُ وَالْوَطْءُ فِي الدّبُرِ لَا يُعِينُ عَلَى اجْتِذَابِ جَمِيعِ الْمَاءِ وَلَا يُخْرِجُ كُلّ الْمُحْتَقَنِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَمْرِ الطّبِيعِيّ. وَأَيْضًا: يَضُرّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ إحْوَاجُهُ إلَى حَرَكَاتٍ مُتْعِبَةٍ جِدّا لِمُخَالَفَتِهِ لِلطّبِيعَةِ. وَأَيْضًا فَإِنّهُ مَحَلّ الْقَذَرِ وَالنّجْوِ فَيَسْتَقْبِلُهُ الرّجُلُ بِوَجْهِهِ وَيُلَابِسُهُ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يَضُرّ بِالْمَرْأَةِ جِدّا لِأَنّهُ وَارِدٌ غَرِيبٌ بَعِيدٌ عَنْ الطّبَاعِ مُنَافِرٌ لَهَا غَايَةَ الْمُنَافَرَةِ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُحْدِثُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالنّفْرَةَ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُسَوّدُ الْوَجْهَ وَيَظْلِمُ الصّدْرَ وَيَطْمِسُ نُورَ الْقَلْبِ وَيَكْسُو الْوَجْهَ وَحْشَةً تَصِيرُ عَلَيْهِ كَالسّيمَاءِ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى فِرَاسَةٍ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُوجِبُ النّفْرَةَ وَالتّبَاغُضَ الشّدِيدَ وَالتّقَاطُعَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَلَا بُدّ. وَأَيْضًا فَإِنّهُ يُفْسِدُ حَالَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَسَادًا لَا يَكَادُ يُرْجَى بَعْدَهُ صَلَاحٌ إلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ بِالتّوْبَةِ النّصُوحِ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُذْهِبُ بِالْمَحَاسِنِ مِنْهُمَا وَيَكْسُوهُمَا ضِدّهَا كَمَا يُذْهِبُ بِالْمَوَدّةِ بَيْنَهُمَا وَيُبْدِلُهُمَا بِهَا تَبَاغُضًا وَتَلَاعُنًا. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ زَوَالِ النّعَمِ وَحُلُولِ النّقَمِ فَإِنّهُ يُوجِبُ اللّعْنَةَ وَالْمَقْتَ مِنْ اللّهِ وَإِعْرَاضَهُ عَنْ فَاعِلِهِ وَعَدَمَ نَظَرِهِ إلَيْهِ فَأَيّ خَيْرٍ يَرْجُوهُ بَعْدَ هَذَا وَأَيّ شَرّ يَأْمَنُهُ وَكَيْفَ حَيَاةُ عَبْدٍ قَدْ حَلّتْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَمَقْتُهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُذْهِبُ بِالْحَيَاءِ جُمْلَةً وَالْحَيَاءُ هُوَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ فَإِذَا فَقَدَهَا الْقَلْبُ اسْتَحْسَنَ الْقَبِيحَ وَاسْتَقْبَحَ الْحَسَنَ وَحِينَئِذٍ فَقَدَ اسْتَحْكَمَ فَسَادُهُ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُحِيلُ الطّبَاعَ عَمّا رَكّبَهَا اللّهُ وَيُخْرِجُ الْإِنْسَانَ عَنْ طَبْعِهِ إلَى طَبْعٍ لَمْ يُرَكّبْ اللّهُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بَلْ هُوَ طَبْعٌ مَنْكُوسٌ وَإِذَا نُكِسَ الطّبْعُ انْتَكَسَ الْقَلْبُ وَالْعَمَلُ وَالْهُدَى فَيَسْتَطِيبُ حِينَئِذٍ الْخَبِيثَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْهَيْئَاتِ وَيَفْسُدُ حَالُهُ وَعَمَلُهُ وَكَلَامُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُورِثُ مِنْ الْوَقَاحَةِ وَالْجُرْأَةِ مَا لَا يُورِثُهُ سِوَاهُ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُورِثُ مِنْ الْمَهَانَةِ وَالسّفَالِ وَالْحَقَارَةِ مَا لَا يُورِثُهُ غَيْرُهُ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يَكْسُو الْعَبْدَ مِنْ حُلّةِ الْمَقْتِ وَالْبَغْضَاءِ وَازْدِرَاءِ النّاسِ لَهُ وَاحْتِقَارِهِمْ إيّاهُ وَاسْتِصْغَارِهِمْ لَهُ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ بِالْحِسّ فَصَلَاةُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مَنْ سَعَادَةِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي هَدْيِهِ وَاتّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ وَهَلَاكُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي مُخَالَفَةِ هَدْيِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ.

.فصل أَنْوَاعُ الْجِمَاعِ الضّارّ:

وَالْجِمَاعُ الضّارّ نَوْعَانِ ضَارّ شَرْعًا وَضَارّ طَبْعًا. فَالضّارّ شَرْعًا: الْمُحَرّمُ وَهُوَ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَشَدّ مِنْ بَعْضٍ. وَالتّحْرِيمُ الْعَارِضُ مِنْهُ أَخَفّ مِنْ اللّازِمِ كَتَحْرِيمِ الْإِحْرَامِ وَالصّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَتَحْرِيمِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا قَبْلَ التّكْفِيرِ وَتَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَائِضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا حَدّ فِي هَذَا الْجِمَاعِ. وَأَمّا اللّازِمُ فَنَوْعَانِ. نَوْعٌ لَا سَبِيلَ إلَى حِلّهِ أَلْبَتّةَ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَهَذَا مِنْ أَضَرّ الْجِمَاعِ وَهُوَ يُوجِبُ الْقَتْلَ حَدّا عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللّهُ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ ثَابِتٌ.
وَالثّانِي: مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا كَالْأَجْنَبِيّةِ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ فَفِي وَطْئِهَا حَقّانِ. حَقّ لِلّهِ وَحَقّ لِلزّوْجِ. فَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَفِيهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ وَإِنْ كَانَ لَهَا أَهْلٌ وَأَقَارِبُ يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ صَارَ فِيهِ أَرْبَعَةُ حُقُوقٍ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ صَارَ فِيهِ خَمْسَةُ حُقُوقٍ. فَمَضَرّةُ هَذَا النّوْعِ بِحَسَبِ دَرَجَاتِهِ فِي التّحْرِيمِ. وَأَمّا الضّارّ طَبْعًا فَنَوْعَانِ أَيْضًا: نَوْعٌ ضَارّ بِكَيْفِيّتِهِ كَمَا تَقَدّمَ وَنَوْعٌ ضَارّ بِكَمّيّتِهِ كَالْإِكْثَارِ مِنْهُ فَإِنّهُ يُسْقِطُ الْقُوّةَ وَيَضُرّ بِالْعَصَبِ وَيُحْدِثُ الرّعْشَةَ وَالْفَالِجَ وَالتّشَنّجَ وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ وَسَائِرَ الْقُوَى وَيُطْفِئُ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيّةَ.

.أَنْفَعُ أَوْقَاتِهِ:

وَأَنْفَعُ أَوْقَاتِهِ مَا كَانَ بَعْدَ انْهِضَامِ الْغِذَاءِ فِي الْمَعِدَةِ وَفِي زَمَانٍ مُعْتَدِلٍ لَا عَلَى جُوعٍ فَإِنّهُ يُضْعِفُ الْحَارّ الْغَرِيزِيّ وَلَا عَلَى شِبَعٍ فَإِنّهُ يُوجِبُ أَمْرَاضًا شَدِيدَةً وَلَا عَلَى تَعَبٍ وَلَا إثْرَ حَمّامٍ وَلَا اسْتِفْرَاغٍ وَلَا انْفِعَالٍ نَفْسَانِيّ كَالْغَمّ وَالْهَمّ وَالْحُزْنِ وَشِدّةِ الْفَرَحِ. وَأَجْوَدُ أَوْقَاتِهِ بَعْدَ هَزِيعٍ مِنْ اللّيْلِ إذَا صَادَفَ انْهِضَامَ الطّعَامِ ثُمّ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضّأُ وَيَنَامُ عَلَيْهِ وَيَنَامُ عَقِبَهُ فَتَرَاجَعُ إلَيْهِ قُوَاهُ وَلْيَحْذَرْ الْحَرَكَةَ وَالرّيَاضَةَ عَقِبَهُ فَإِنّهَا مُضِرّةٌ جِدّا.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ الْعِشْقِ:

هَذَا مَرَضٌ مِنْ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْأَمْرَاضِ فِي ذَاتِهِ وَأَسْبَابِهِ وَعِلَاجِهِ وَإِذَا تَمَكّنَ وَاسْتَحْكَمَ عَزّ عَلَى الْأَطِبّاء دَوَاؤُهُ وَأَعْيَا الْعَلِيلَ دَاؤُهُ وَإِنّمَا حَكَاهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ طَائِفَتَيْنِ مِنْ النّاسِ مِنْ النّسَاءِ وَعُشّاقِ الصّبْيَانِ الْمُرْدَانِ فَحَكَاهُ عَنْ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فِي شَأْنِ يُوسُفَ وَحَكَاهُ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ فَقَالَ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْهُمْ لَمّا جَاءَتْ الْمَلَائِكَةُ لُوطًا: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إِنّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ وَاتّقُوا اللّهَ وَلَا تُخْزُونِ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْحِجْرِ: 68: 73].

.سَبَبُ طَلَاقِ زَيْدٍ لِزَيْنَبَ:

وَأَمّا مَا زَعَمَهُ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُقَدّرْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَقّ قَدْرِهِ أَنّهُ اُبْتُلِيَ بِهِ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأَنّهُ رَآهَا فَقَالَ سُبْحَانَ مُقَلّبَ الْقُلُوبِ وَأَخَذَتْ بِقَلْبِهِ وَجَعَلَ يَقُول لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: أَمْسِكْهَا حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ {وَإِذْ تَقُولُ لِلّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتّقِ اللّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاسَ وَاللّهُ أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الْأَحْزَابِ 37] فَظَنّ هَذَا الزّاعِمُ أَنّ ذَلِكَ فِي شَأْنِ الْعِشْقِ وَصَنّفَ بَعْضُهُمْ كِتَابًا فِي الْعِشْقِ وَذَكَرَ فِيهِ عِشْقَ الْأَنْبِيَاءِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَهَذَا مِنْ جَهْلِ هَذَا الْقَائِلِ بِالْقُرْآنِ وَبِالرّسُلِ وَتَحْمِيلِهِ كَلَامَ اللّهِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَنِسْبَتِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَا بَرّأَهُ اللّهُ مِنْهُ فَإِنّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَبَنّاهُ وَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ مُحَمّدٍ وَكَانَتْ زَيْنَبُ فِيهَا شَمَمٌ وَتَرَفّعَ عَلَيْهِ فَشَاوَرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَاقِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتّقِ اللّهَ} وَأَخْفَى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَتَزَوّجَهَا إنْ طَلّقَهَا زَيْدٌ وَكَانَ يَخْشَى مِنْ قَالَةِ النّاسِ أَنّهُ تَزَوّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ لِأَنّ زَيْدًا كَانَ يُدْعَى ابْنَهُ فَهَذَا هُوَ الّذِي أَخْفَاهُ فِي نَفْسِهِ وَهَذِهِ هِيَ الْخَشْيَةُ مِنْ النّاسِ الّتِي وَقَعَتْ لَهُ وَلِهَذَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ يُعَدّدُ فِيهَا نِعَمَهُ عَلَيْهِ لَا يُعَاتِبُهُ فِيهَا وَأَعْلَمَهُ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْشَى النّاسَ فِيمَا أَحَلّ اللّهُ لَهُ وَأَنّ اللّهَ أَحَقّ أَنْ يَخْشَاهُ فَلَا يَتَحَرّجُ مَا أَحَلّهُ لَهُ لِأَجْلِ قَوْلِ النّاسِ ثُمّ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سُبْحَانَهُ زَوّجَهُ إيّاهَا بَعْدَ قَضَاءِ زَيْدٍ وَطَرَهُ مِنْهَا لِتَقْتَدِيَ أُمّتُهُ بِهِ فِي ذَلِكَ وَيَتَزَوّجَ الرّجُلُ بِامْرَأَةِ ابْنِهِ مِنْ التّبَنّي لَا امْرَأَةِ ابْنِهِ لِصُلْبِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي آيَةِ التّحْرِيمِ {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النّسَاءِ 23] وَقَالَ فِي هَذِهِ السّورَةِ {مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الْأَحْزَابِ 40] وَقَالَ فِي أَوّلِهَا: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} [الْأَحْزَابِ 4] فَتَأَمّلْ هَذَا الذّبّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَفْعَ طَعْنِ الطّاعِنِينَ عَنْهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ. نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحِبّ نِسَاءَهُ وَكَانَ أَحَبّهُنّ إلَيْهِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَلَمْ تَكُنْ تَبْلُغُ مَحَبّتُهُ لَهَا وَلَا لِأَحَدٍ سِوَى رَبّهِ نِهَايَةَ الْحُبّ بَلْ صَحّ أَنّهُ قَالَ لَوْ كُنْتُ مُتّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَفِي لَفْظٍ وَإِنّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرّحْمَن.